لا يكفل الدستور حرية الصحافة في هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة، حيث يوجد تمركز مفرط في المشهد الإعلامي، مما يقوض الصحافة التي تخدم المصلحة العامة بقدر ما يزيد من قدرة السلطات في الضغط على وسائل الإعلام.
المشهد الإعلامي
يُعد المشهد الإعلامي الأسترالي من بين الأكثر تمركزاً في العالم، علماً أن القطاع الخاص يوجد تحت هيمنة شركتين عملاقتين في المجال. ذلك أن مجموعة ناين إنترتينمنت، المملوكة لعائلة باكر، فقد عززت مواقعها في السنوات الأخيرة من خلال شراء أسهم في ساذرن كروس ميديا، التي تتخذ من ملبورن مقراً لها، فضلاً عن استيلائها على فيرفاكس وسيدني مورنينغ، الصحيفة اليومية الرائدة في البلاد. أما مجموعة نيوز كور، التي تمتلك عائلة الثري الأسترالي الأمريكي روبرت مردوخ الحصة الكبرى من أسهمها، فهي تمثل نموذجاً صارخاً للمخاطر التي يمكن أن يشكلها التمركز المفرط لوسائل الإعلام على التعددية، حيث تسيطر الشركة الفرعية الأسترالية لمجموعة مردوخ على نحو ثلثي الجرائد الرئيسية في البلاد، بما في ذلك صحيفة ذي أستريلين اليومية، بالإضافة إلى معظم المواقع الإخبارية الإلكترونية. ذلك أن هذا النموذج الأوليغارشي يشكل عقبة إضافية أمام تعزيز الصحافة الاستقصائية والمصلحة العامة، حيث يقوم بالأساس على المنطق التجاري. وفي المقابل، يقوم الإعلام العام بدور مهم في القطاع السمعي البصري، حيث تقدم كل من إي بي سي وإس بي إس مواد إخبارية وتقارير تقوم على قواعد الصحافة الاستقصائية.
السياق السياسي
للمجموعات الإعلامية الرئيسية في البلاد صلات وثيقة بالدوائر السياسية، مما يثير الشكوك حول الاستقلالية التحريرية لوسائل الإعلام التي في ملكية هذه الشركات الضخمة. ففي عام 2021، أكدت لجنة برلمانية تنامي ثقافة التكتم من قبل مؤسسات الدولة تجاه الصحافة، مع وجود ضغوط غير رسمية لعدم الكشف عن حالات معينة، ناهيك عن ترهيب المبلغين عن المخالفات بذريعة الأمن القومي. كما استقلالية الهيئة الأسترالية للبث الإذاعي والتلفزيوني (إي بي سي) مكفولة بموجب القانون، ومع ذلك فإنها غالباً ما تُتَّهم بالافتقار إلى الاستقلالية، حيث تُعتبر أكثر وسائل الإعلام خضوعاً لسيطرة الدولة في أستراليا، ولكنها تُعتبر في الوقت نفسه الأكثر جدارة بثقة الجمهور مقارنة بأي وسيلة إعلام أسترالية أخرى.
الإطار القانوني
بينما صادقت أستراليا على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن العديد من ولاياتها وأقاليمها توفر ضمانات لحرية الصحافة. إلا أن دستور البلاد لا يتضمن أي بند صريح يكفل هذه الحرية، مما يطرح مشاكل متزايدة، لا سيما وأن بعض الولايات تتبنى تدابير تقيد حرية ممارسة الصحافة. على المستوى المركزي، اعتمد البرلمان في العاصمة كانبرا أيضاً العديد من النصوص الإشكالية، منذ نهاية عام 2010. ذلك أن قوانين الأمن القومي والتجسس وتشفير البيانات تنطوي على أحكام تسمح للسلطات بانتهاك مبدأ سرية مصادر الصحفيين.
السياق الاقتصادي
في تقرير نُشر عام 2021، دق تحالف وسائل الإعلام الأسترالية ناقوس الخطر، موضحاً أن وسائل الإعلام الجهوية كانت ترزح أصلاً تحت وطأة تراجع خانق حتى قبل بدء جائحة كوفيد-19، لكن الأزمة الصحية أدت إلى تسريع عمليات الإغلاق وتقليص أعداد الموظفين. وأشار التقرير أيضاً إلى أن قطاع الإعلام تضرر من إغلاق الشركات العملاقة وفقدان الآلاف من الوظائف في مجال الصحافة، علماً أن الحكومة تفاعلت مع هذا الوضع من خلال تقديم دعم مالي محدود لناشري الصحف المحلية و الجهوية، ووعدت بدعم الحقل الإخباري المحلي وتعزيز الوظائف في هذا القطاع.
السياق الاجتماعي والثقافي
بينما تظل حالات الرقابة الصريحة نادرة للغاية، فإن عمل بعض وسائل الإعلام يتسم بالتحيز أحياناً، مثل ثقافة "ميتشيب" المتجذرة في أستراليا، والتي تتمثل في تهميش شرائح معينة من المجتمع، وعلى رأسها النساء، علماً أن حالات التحيز الجنسي أو التمييز على أساس النوع الاجتماعي باتت تمثل معضلة آخذة في التزايد. وفي سياق متصل، سلطت بعض الجلسات البرلمانية في مجلس الشيوخ خلال عام 2021 الضوء على التوجه الذي يميل نحو التقليل من أهمية العنصرية على موجات أثير نيوز كور، حيث أُطلقت تصريحات تمييزية بشكل صريح في حق الأستراليين من أصل آسيوي أو إفريقي، أو من المسلمين أو السكان الأصليين أو سكان الجزر الواقعة شمالاً، باتجاه مضيق توريس .
الأمن
يظل الصحفيون الأستراليون بمنأى عن العنف والاحتجاز التعسفي، أما نظرتهم إلى وضعهم الأمني فهي مثيرةٌ للقلق: ففي دراسة أجريت عام 2021، قال ما يقارب 90% منهم إنهم يخشون "زيادة التهديدات أو المضايقات أو التخويف"، بدءًا من ضغوط الحكومة. ففي 2019، أقدمت الشرطة الفيدرالية بمدينة كانبيرا على اقتحام منزل صحفي مختص في الشؤون السياسية ومداهمة مقر هيئة الإذاعة الأسترالية العامة، وذلك في سابقة خطيرة أثارت قلقاً عاماً في البلاد. ورغم عدم تكرار عمليات التفتيش هذه، إلا أن الصحفيين ما زالوا يشعرون بالتهديد، ولا سيما في ظل الدعاوى القضائية بتهمة التشهير، أو الهجمات المنظمة على منصات التواصل الاجتماعي أو احتمال فقدان الوظائف بسبب تدخل الحكومة والشركات.