يعيش أكثر من خُمس سكان بنغلاديش - البالغ عددهم 169 مليون نسمة - تحت خط الفقر ولا يتمتعون إلا بفرص ضئيلة لتلقي المعلومات من الصحافة التقليدية، علماً أن الإنترنت يلعب دوراً متزايداً في نشر الأخبار وتبادلها.
المشهد الإعلامي
يُعتبر تلفزيون بنغلاديش الوطني وراديو بنغلاديش بيتار المنبرين الإعلاميين الرئيسيين للدولة، حيث يقومان بدور الدعاية للحكومة، شأنهما في ذلك شأن وكالة الأنباء الرسمية. أما القطاع الخاص فيتميز بغنى كبير، حيث يزخر بما يناهز 3000 صحيفة يومية أو دورية و30 محطة إذاعية - من بينها بعض المحطات المجتمعية - و30 قناة تلفزيونية، فضلاً عن مئات المواقع الإخبارية. وفي هذا المشهد الإعلامي، تحظى سومي تي في وإيكاتور تي في بشعبية كبيرة، وهما قناتان إخباريتان مواليتان للحكومة. هذا وتُعتبر بروثوم آلو الناطقة بالبنغالية وديلي ستار الناطقة بالإنجليزية أكبر صحيفتين يوميتين في البلاد،، وهما تحظيان باستقلالية تحريرية ملحوظة.
السياق السياسي
منذ استقلال البلاد في عام 1971، اعتبرت الحكومات الصحافة أداة للدعاية. ولم تكن حكومة الشيخة حسينة استثناء لهذه القاعدة، وهي التي تتولى زمام السلطة منذ عام 2009. ذلك أن نشطاء من حزبها، رابطة عوامي، يشنون بانتظام اعتداءات جسدية عنيفة على الصحفيين الذين لا يعزفون على وتر الحكومة، في حين تطال الملاحقات القضائية بعض الفاعلين الإعلاميين قصد إسكاتهم، علماً أن الأمر يصل حد إغلاق بعض وسائل الإعلام أحياناً. وفي ظل هذه الظروف، تتعامل المنابر الصحفية بحذر مع أي معلومات تؤكدها الحكومة، حيث تتجنب التشكيك فيها أو طرح علامات استفهام حول صحتها.
الإطار القانوني
قبل أشهر قليلة من انتخابات 7 يناير/كانون الثاني 2024، طرحت الحكومة قانون الأمن السيبراني، وهو عبارة عن نسخة تكاد تكون طبق الأصل من قانون الأمن الرقمي، الذي يُعد من أشد النصوص على الصحفيين في العالم، حيث يتيح للسلطات إمكانية التفتيش والاعتقال دون أدنى مذكرة قضائية، ومصادرة المعدات الرقمية، مع انتهاك سرية المصادر بشكل تعسفي، بل وينص على أحكام بالسجن 14 عاماً لأي صحفي ينشر معلومات تُعتبر "دعاية ضد أب الأمة"، والد رئيسة الوزراء الحالية. وفي هذا السياق، لا يجد الصحفيون من مفر أمام الانزواء في قوقعة الرقابة الذاتية.
السياق الاقتصادي
تتمركز معظم وسائل الإعلام الخاصة بشكل مفرط في أيدي قلة قليلة من رجال الأعمال الذين طفوا على السطح بفضل الازدهار الاقتصادي الذي تمر به بنغلاديش، حيث ينظر أصحاب رؤوس الأموال إلى وسائل الإعلام التي في ملكيتهم على أنها أدوات للتأثير وخدمة مصالحهم، علماً أنهم يعطون الأولوية للربحية، لدرجة تفضيل علاقاتهم الجيدة مع الحكومة على ضمان الاستقلالية التحريرية لشركاتهم الإعلامية. وفي هذا السياق، غالباً ما يرجع لممثلي الحكومة قرار اختيار المتحدثين في "البرامج الحوارية" المسائية على القنوات التلفزيونية الخاصة. هذا وتعتمد صحف كثيرة على المال العام واستيراد الورق للطباعة.
السياق الاجتماعي والثقافي
رغم أن دستور بنجلاديش ينص على علمانية الدولة، إلا أنه يقر بالإسلام كدين للدولة، وهو الغموض الذي ينعكس على الصحافة أيضاً، حيث يُعتبر كل ما يتعلق بالقضايا الدينية من المحرمات. وفي هذا الصدد، لا تتطرق وسائل الإعلام الكبرى أبداً إلى قضية الأقليات الدينية، رغم أنها تهم عشرة ملايين شخص. فخلال العقد الماضي، شنت جماعات إسلامية متطرفة حملات عنيفة للغاية أدت إلى مقتل عدد من الصحفيين، علماً أن تلك الجماعات تستخدم اليوم منصات التواصل الاجتماعي لتعقب الصحفيين الذي يدافعون عن العلمانية أو تعدد الآراء أو حرية المعتقد في مختلف المنابر الإعلامية.
الأمن
باتت الساحة الإعلامية في بنغلاديش تعيش على وقع تفاقم مقلق في انتهاكات حرية الصحافة، سواء تعلق الأمر بعنف الشرطة أو هجمات النشطاء السياسيين أو الاغتيالات على أيدي حركات جهادية أو شبكات المافيا، علماً أن هذه الجرائم في حق الصحفيين تمر دون أدنى عقاب. وعادة ما يُستخدم قانون الأمن الرقمي كذريعة لإبقاء بعض الصحفيين والمدونين خلف القضبان في ظروف مزرية. وفي سياق مهني لا يزال تغلب عليه النزعة الذكورية، تئن الصحفيات باستمرار تحت وطأة ثقافة التحرش كما يواجهن حملات تنمر وكراهية عبر الإنترنت كلما حاولن الدفاع عن حقوقهن بشكل صريح.