نشطاء الإعلام ضحايا من جديد للفوضى الأمنية في ليبيا
تشهد ليبيا منذ شهر واحدةً من أعنف الأزمات الأمنية منذ ثورة 17 فبراير/شباط 2011 التي أدت إلى الإطاحة بمعمر القذافي. وقد أدت الفوضى العارمة إلى وقوع العديد من الضحايا في أوساط المدنيين، بما في ذلك مهنيو الإعلام
تشهد العاصمة الليبية منذ 13 يوليو/تموز 2014 مواجهات مسلحة حادة بين مليشيات الزنتان ومصراتة وحلفائهما من أجل السيطرة على مطار طرابلس الدولي وغيره من المرافق. ومازالت بنغازي والمناطق المجاورة لها تعاني ويلات المعارك العنيفة بين قوات اللواء حفتر والجماعات المسلحة الإسلامية، ومن ضمنها جماعة أنصار الشريعة التي تمكن مقاتلوها من السيطرة على معسكر كتيبة القوات الخاصة التابعة لحفتر يوم 30 يوليو/تموز المنصرم، وأجبروهم على التراجع والاحتماء بمنطقة جبل الأخضر الجبلية شرق البلاد
وسُجل مقتل أكثر من 200 شخصا منذ احتقان الأوضاع وانطلاق هذه الأزمة، وأصيب 1000 آخرون حسب إحصاءات وزارة الصحة. وقد سقط معظم الضحايا خلال عمليات القصف المدفعي على مناطق آهلة بالمدنيين. ولم تتردد منظمة العفو الدولية في وصف هذا القصف المدفعي العشوائي بأنه قد يكون جريمة حرب
ولم تستثن هذه الفوضى الأمنية مهنيي الإعلام. فقد تم اختطاف 5 موظفين عاملين في قناة برقة الفضائية ليلة الخامس من أغسطس/آب الجاري عند عودتهم من طبرق شرق البلاد بعد تغطية حفل تنصيب البرلمان الليبي الجديد. وحسب مديرالقناة فرج المغربي، الذي كان موجودا برفقة البعثة، تم توقيف سيارات القناة الثلاث – وعلى متنها طاقم من 8 أفراد- في نقطة تفتيش بالقرب من مدينة درنة التي تعتبر معقلا أساسيا من معاقل جماعة أنصار الشريعة على يد ميليشيا ادعت الانتماء إلى الجيش الوطني (قوات اللواء حفتر). غير أن لباس أفراد الميليشيا و لهجتهم, نقلاعن المغربي, إفترض أنهم من المتشددين. وقد هددوا الصحفيين بأسلحتهم، وأجبروهم على النزول من العربات، وتمكنت إحدى السيارات الثلاث من الهرب رغم إطلاق الخاطفين للنار عليها، وكان على متنها مدير القناة وأحد التقني ومصور. بينما تم اختطاف كل من المحرر خالد الصبيحي والمذيع يونس المبروك المغربي والصحفيين عبد السلام المغربي ويوسف القمودي والمصور المصري محمد جلال. ولم ترد منذ ذلك الحين أي أنباء عن المختطفين
وحثت عشية 4 أغسطس/آب قوة الردع الخاصة الخاضعة لسيطرة الإسلامي عبد الرؤوف كاره عمال قناة الوطنية العمومية على الامتناع عن بث حفل تنصيب البرلمان الليبي الجديد. وقد أجبروا في سبيل ذلك كل موظفي القناة على مغادرة البناية. وطالب قائد الهجوم المسمى عبد العظيم الشهراني، حسب تصريحات عاملين في قناة الوطنية، الموظفين بعدم تغطية أنشطة البرلمان الجديد بأي حال من الأحوال ودعم العملية المسماة فجر ليبيا التي أطلقتها مليشيات مصراتة منذ 13 يوليو/تموز المنصرم بقصد السيطرة على مطار طرابلس والواقع لحد الساعة في قبضة مليشيات الزنتان
وتم اختطاف 3 عمال من قناة العاصمة الفضائية الخاصة بساحة الشهداء في طرابلس ثلاثة أيام قبل ذلك، حوالي الساعة الثامنة والنصف ليلا، وكانوا حينها قد انتهوا للتو من تغطية مظاهرة لإدانة الاشتباكات في العاصمة الليبية. وحسب تصريحات أحد عمال القناة، قامت ثلاث سيارات سوداء من نوع تويوتا ودون ترقيم باختطاف طاقم العاصمة عندما كان يقوم بجمع أدوات العمل. وتم اقتياد كل من المراسل محمد عبد الرزاق حسين والمصور أحمد حسين العلوني والمنتج أحمد محمد الجهد إلى وجهة مجهولة قبل أن يطلق سراحهم ليلا خمسة أيام بعد ذلك. وقد تم حجز الأفراد الثلاثة حسب بيان صادر عن القناة في القاعدة الجوية معيتيقة الخاضعة لسيطرة الكتائب الإسلامية الموالية لمصراتة، وتعرضوا للتعذيب خلال فترة اعتقالهم على يد مختطفيهم، وقاموا بحلق شعر رؤوسهم
هذا وقد تعرض عدد كبير من الصحفيين الليبيين للتهديد والاعتداء والاختطاف وحتى القتل بسبب نشاطهم المهني منذ نهاية ثورة 17 فبراير/شباط. وأدت أحداث العنف المتعددة بين مختلف الأطراف والجماعات المسلحة إلى تزايد انتهاكات حرية الإعلام في ليبيا وتنامي حالات الابتزاز ضد نشطاء الإعلام. حيث اضطر بعضهم إلى مغادرة البلاد لأسباب أمنية، ويفكر آخرون في الحل ذاته. وأحصت مراسلون بلا حدود منذ مطلع 2014 ما يقارب 60 حالة من حالات انتهاك حرية الإعلام في البلاد، وقدمت الدعم لعشرة صحفيين بالمنفى
وتحث المنظمة مجموع الفاعلين المعنيين بالاشتباكات المسلحة إلى التوقف فورا عن أي هجوم ضد المدنيين، وخصوصا مهنيو الإعلام العاملون في ليبيا. حيث يضطلع نشطاء الإعلام بدور أساسي في ليبيا الجديدة، ولا سيما المسلسل الشامل الرامي إلى بناء دولة مستدامة وديمقراطية على المدى البعيد
ويتعين على وسائل الإعلام ومهنيي الخبر والمعلومة التحلي بالاستقلالية والمهنية والوعي تماما بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم. ويجب ألا يتناسى نشطاء الإعلام دورهم الأساسي بصفتهم ممثلي سلطة مضادة وأن يمتنعوا عن تغذية التوترات والصارعات السياسية
وتذكر مراسلون بلا حدود، على الرغم من وعيها بأهمية الصعوبات وكثرة التحديات التي يتعين على البرلمان الليبي الجديد مواجهتها، تذكر بواجب الدولة في حماية المدنيين، وعلى رأسهم الصحفيين. لذلك تدعو مراسلون بلا حدود السلطات الليبية إلى تسخير الموارد الضرورية كلها من أجل القضاء على الهجمات ضد نشطاء الإعلام ومكافحة الإفلات من العقاب عبر متابعة مرتكبي هذه الجرائم أمام العدالة