في عالم ما بعد 11 أيلول/سبتمبر، وحده السلام يحمي الحريات
المنظمة
إن الديمقراطيات المنخرطة في نزاعات خارج أراضيها شأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تفقد مزيداً من المراتب سنوياً في حين أن عدة دول ناشئة ولا سيما من القارة الأفريقية أو الكاريبي قد نجحت في تحصين حرية الإعلام.
ليس الازدهار الاقتصادي ما يضمن حرية الصحافة وإنما السلام. هذه هي الرسالة الأساسية التي سعت مراسلون بلا حدود إلى بلورتها في نسخة العام 2008 من التصنيف العالمي السنوي لحرية الصحافة المرتقب نشرها في 22 تشرين الأول/أكتوبر. أما الرسالة الثانية الواردة في هذه اللائحة التي تستضيف مجدداً الثلاثي الجهنمي تركمانستان (المرتبة 171) وكوريا الشمالية (المرتبة 172) وإريتريا (المرتبة 173)، فتكمن في عدم جدوى التدابير التي يتخذها المجتمع الدولي بحق الأنظمة السلطوية مثل كوبا (المرتبة 169) والصين (المرتبة 167). في هذا الإطار، أعلنت المنظمة: بات عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر واضح المعالم. فالاضطرابات تهز عرش ديمقراطيات كبرى تقف على أهبة الاستعداد للتصدي لأي هجوم وتقضم مساحة الحريات رويداً رويداً، في حين أن أكثر الدكتاتوريات نفوذاً تزداد سلطوية وغطرسة مستفيدة من الانقسامات القائمة في المجتمع الدولي ودمار الحروب المعلنة باسم مكافحة الإرهاب. ولا عجب في أن تفرض المحرّمات الدينية والسياسية نفسها أكثر على مر السنين في دول كانت تشهد، في الأيام الغابرة، تقدّماً ملحوظاً على درب الحرية. وأضافت المنظمة: في هذا السياق، لا بدّ لسياسة كمّ أصوات الحرية المنتهجة في الدول المنغلقة على العالم، بقيادة أسوأ صيّادي حرية الصحافة، من أن تبقى مستمرة في ظل إفلات تام من العقاب طالما أن المنظمات الدولية شأن الأمم المتحدة تفقد كل سيطرتها على أعضائها. إلا أن هذا الانحراف العالمي يعطي الدول الصغيرة الضعيفة اقتصادياً فرصة التميّز بسعيها إلى ضمان حق الشعب بمعارضة الحكومة والإعلان عن رأيه جهاراً بالرغم من كل ما تعانيه. الحرب والسلم يشمل هذا التصنيف الفترة الممتدة من الأول من أيلول/سبتمبر 2007 إلى الأول من أيلول/سبتمبر 2008 ولكنه لا يسلّط الضوء فقط على المرتبة المتفوقة التي تحتلها الدول الأوروبية (تتصدر المراتب العشرين الأولى دول تنتمي إلى المجال الأوروبي باستثناء نيوزيلندا وكندا) بل أيضاً على المرتبة المشرّفة التي احتلتها بعض دول أمريكا الوسطى والكاريبي. ففي المرتبتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، تقترب جامايكا وكوستا ريكا من المجر (المرتبة 23) على بعد بضع مراتب من سورينام (المرتبة 26) وترنيداد وتوباغو (المرتبة 27). الواقع أن هاتين الدولتين الصغيرتين الواقعتين في الكاريبي تحتلان مكانة أفضل من فرنسا (المرتبة 35) التي تراجعت هذا العام أيضاً فاقدة أربع مراتب، أو إسبانيا (المرتبة 36) وإيطاليا (المرتبة 44) الغارقتين في وحول العنف المافيوي أو السياسي. ولم يعد ينقص ناميبيا (المرتبة 23) إلا مرتبة واحدة، هذه الدولة الكبيرة من أفريقيا الجنوبية التي استتب السلام فيها وباتت تتصدر هذا العام الدول الأفريقية أمام غانا (المرتبة 31) لتنضم إلى مجموعة الدول العشرين الأفضل تصنيفاً في العالم. أما القاسم المشترك بين دول الصدارة هذه التي تشهد تباينات اقتصادية عظيمة (إن النسبة بين إجمالي الناتج الداخلي الفردي في أيسلندا وجامايكا هو 1 مقابل 10) فيكمن في خضوعها لنظام ديمقراطي برلماني كما في عدم تورّطها في أي حرب. إلا أن هذا الوضع لا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية (المرتبة 40 على الأراضي الأمريكية، والمرتبة 119 خارج الأراضي الأمريكية)، وإسرائيل (المرتبة 46 على الأراضي الإسرائيلية، والمرتبة 149 خارج الأراضي الإسرائيلية) حيث قتل صحافي فلسطيني بنيران الجيش للمرة الأولى منذ العام 2003. وقد ترك استئناف النزاع المسلّح أثراً بالغاً على دول شأن جورجيا (المرتبة 120) أو النيجر التي تراجعت بشكل ملحوظ (من المرتبة 95 في العام 2007 إلى المرتبة 130 في العام 2008). مع أن هذه الدول تقوم على نظام سياسي ديمقراطي، إلا أنها قد تورّطت في نزاعات منخفضة أو عالية الحدة. وبهذا، عرّضت الصحافيين، هؤلاء الضحايا الذين يسهل تحديدهم، لمخاطر القتال أو القمع. وليس الإفراج المؤقت عن مراسل راديو فرانس أنترناسيونال ومراسلون بلا حدود في نيامي موسى كاكا بعد 384 يوماً من السجن، أو إخلاء سبيل سامي الحاج من جحيم غونتانامو بعد ستة أعوام من الاحتجاز، إلا ليذكرا بأن الحروب تسحق الحياة كما تسحق في معظم الأحيان الحريات. تحت نيران المحاربين أو الدولة الكلية الوجود في غياب الحلول للمشاكل السياسية، تبقى الدول المتورطة في نزاعات عنفية شأن العراق (المرتبة 158)، وباكستان (المرتبة 152)، وأفغانستان (المرتبة 156)، والصومال (المرتبة 153)، مناطق سوداء في عالم الصحافة. فليست عمليات الاغتيال والاختطاف، والاعتقالات التعسفية، والتهديدات بالقتل، إلا الخبز اليومي لصحافيين غالباً ما يتهمون بالموالاة لطرف أو لآخر فضلاً عن تعرّضهم لنيران المحاربين. وكل الأعذار صالحة للتخلّص من هؤلاء المزعجين أو الجواسيس، كما كانت الحال في الأراضي الفلسطينية (المرتبة 163) ولا سيما في غزة حيث شهد الوضع تدهوراً ملحوظاً مع استئثار حركة حماس بالسلطة. وفي الوقت نفسه، تواجه الصحافة عنفاً غالباً ما يكون من تنظيم الدولة في سريلانكا (المرتبة 165) مع أن الحكومة تنتخب فيها. إن الدول التي تحتل المراتب الأخيرة من التصنيف هي دكتاتوريات مقنّعة نوعاً ما يتمكن المعارضون والصحافيون الإصلاحيون فيها من تحطيم الغلال التي يجبرون على تحمّلها. لا شك في أن سنة الصين الأولمبية (المرتبة 167) قد شهدت احتجاز هو جيا وعدة معارضين وصحافيين آخرين كما شكّلت مناسبة لمنح ذرائع إضافية للمؤسسات الإعلامية الليبرالية التي تسعى جاهدة إلى التحرر من سطوة الشرطة المفروضة على مواطني القوة الآسيوية الجديدة. وتبقى مهنة الصحافة في بكين أو شنغهاي أو حتى إيران (المرتبة 166)، وأوزبكستان (المرتبة 162)، وزيمبابوي (المرتبة 151)، ممارسة محفوفة بالمخاطر ومصدراً للمضايقة والتنكيل القضائي المستمر. منذ عدة أعوام، يعتبر الصحافيون والمثقفون، حتى الأجانب منهم، أعداء للمجلس السياسي الحاكم في بورما (المرتبة 170)، هذه الدولة الخاضعة لحكم متعنّت يكره الأجانب. فإذا بهم يدفعون الثمن غالياً. الجحيم الثابت في تونس زين العابدين بن علي (المرتبة 143)، وليبيا معمّر القذافي (المرتبة 160)، وبيلاروسيا ألكسندر لوكاتشتنكو (المرتبة 154)، وسوريا بشار الأسد (المرتبة 159)، وغينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما (المرتبة 156)، يكفي الوجود الكلي لصورة رئيس الدولة في الشوراع والصفحات الأولى للصحف لإقناع الأكثر تشكيكاً بغياب حرية الصحافة. ومع أن غيرها من الدكتاتوريات لا تمارس عبادة الشخصيات، إلا أن المخنق لا يزال نفسه. ففي لاوس (المرتبة 164) والمملكة العربية السعودية (المرتبة 161)، لا شيء ممكناً إن لم يكن يتماشى مع خط السلطات. وتبقى كوريا الشمالية وتركمانستان جحيماً ثابتاً لا يزال الشعب فيه منقطعاً عن العالم وخاضعاً لثقل بروبغاندا تنتمي إلى عصر آخر. أما في إريتريا (المرتبة 173) التي تحتل المرتبة الأخيرة للسنة الثانية على التوالي، فيستمر الرئيس إساياس أفوركي ومجموعة الوطنيين المصابين بالذهان الهذياني في إدارة أكثر دول أفريقيا شباباً كمعتقل ضخم مشرّع الأبواب والنوافذ. ولا يزال المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ماضياً في التكرار، على سبيل التنافس، أن الحل الوحيد يكمن في الحوار. ولكنه يبدو جلياً أنه لم يلقَ آذاناً صاغية طالما أنه بمقدور أكثر الحكومات سلطوية أن تتجاهل الاتهامات المضادة من دون أن تخاطر بأي شيء سوى استياء بلا عواقب يظهره بعض الديبلوماسيين. مخاطر الفساد والأحقاد السياسية إن المرض الآخر الذي يجتاح الديمقراطيات ويمنيها بخسارة المراتب في هذا التصنيف هو الفساد. ومن شأن المثل السيئ لدولة بلغاريا (المرتبة 59) التي تحتل المرتبة الأخيرة في أوروبا أن تذكر بأن الاقتراع العام والتعددية الإعلامية وبعض الضمانات التشريعية ليست بمعايير كافية للتحدث عن حرية الصحافة بشكل صالح. فينبغي أن يكون الجو مؤاتياً لتداول المعلومات والتعبير عن الآراء. وليس التوتر الاجتماعي والسياسي السائد في البيرو (المرتبة 108) أو كينيا (المرتبة 97)، وتسييس الإعلام في مدغشقر (المرتبة 94) أو بوليفيا (المرتبة 115)، وحتى أعمال العنف التي يقع ضحيتها صحافيو التحقيقات في البرازيل (المرتبة 82)، سوى صور تمثيلية لهذا السم الذي يفتك بالديمقراطيات الناشئة. والواقع أن الذين يخالفون القانون ليجنوا الثروات ويعاقبون الصحافيين الفضوليين في ظل إفلات تام من العقاب يساهمون في انتشار آفة تبقي دولاً كبيرة في مراتب مشينة (نيجيريا، المرتبة 131؛ المكسيك، المرتبة 140؛ الهند، المرتبة 118). إن بعض هذه الدول الكبيرة المزعومة يتصرّف عمداً بطريقة عنيفة، وجائرة، وبكل بساطة مقلقة. وعلى غرار فنزويلا (المرتبة 113) حيث شخصية الرئيس هوغو شافيز وقوانينه تبدو مرهقة أحياناً، تقتضي روسيا الثنائي بوتين - مدفيديف (المرتبة 141) مراقبة الإعلام الرسمي والمعارض بصرامة. وكما آنا بوليتكوفسكايا، يسقط عدة صحافيين سنوياً برصاص مجهولين غالباً ما يكونون مقرّبين من الأجهزة الأمنية الموجهة من الكرملين. تمنّع المحرّمات في القلب اللدن للتصنيف، تبرز دول تتراوح بين القمع والليبرالية، ولا تزال المحرّمات محرمات فيها والقوانين المنظمة للقطاع الإعلامي من عصر آخر. وعلى سبيل المثال، يشكل ذكر شخص الرئيس أو الملك، ومحيطه، وأعمالهم الدنيئة محظورات مطلقة في الغابون (المرتبة 110)، والكاميرون (المرتبة 129)، والمغرب (المرتبة 122)، وعمان (المرتبة 123)، وكمبوديا (المرتبة 126)، والأردن (المرتبة 128)، وماليزيا (المرتبة 132). وفي السياق نفسه، تتولى التشريعات القامعة للحريات في السنغال (المرتبة 86) والجزائر (المرتبة 121) زج الصحافيين في السجن باستمرار منتهكة بذلك المعايير الديمقراطية التي تكرّسها الأمم المتحدة. إن القمع الممارس على شبكة الإنترنت ليكشف أيضاً النقاب عن هذه المحرّمات المتعنّتة. ففي مصر (المرتبة 156) على سبيل المثال، تسببت تظاهرات أطلقت على الإنترنت بتأجيج العاصمة وإقلاق الحكومة التي باتت تعتبر كل متصفّح خطراً كامناً يهدد الأمة. وإذا بالترشيح يزداد سنة تلو الأخرى فيما لا تتورّع الدول القمعية عن سجن المدوّنين. وإذا كانت الصين تحتفظ بالصدارة بين جحور الشبكة السوداء بلجوئها إلى تقنيات متطورة لمراقبة المتصفّحين، فسوريا باتت بطلة إقليمية في القمع الإلكتروني. وأصبحت المراقبة متشددة لدرجة أنه بمجرّد إصدار أي انتقاد، تغدو عملية الاعتقال مسألة وقت ليس إلا. وحدها بعض الدول شهدت تقدماً في مجال حرية التعبير. فإذا بلبنان (المرتبة 66) يستعيد موقعه الطبيعي بعد انتهاء موجة الاعتداءات التي استهدفت صحافيين نافذين في السنوات الأخيرة فيما تواصل هايتي (المرتبة 73) تقدّمها البطيء تماماً كالأرجنتين (المرتبة 68) وجزر المالديف (المرتبة 104). بيد أن التحوّل الديمقراطي في موريتانيا (المرتبة 105) قد تعطّل مانعاً الدول عن متابعة تقدّمها في حين أن المكتسبات الضعيفة لكل من تشاد (المرتبة 133) والسودان (المرتبة 135) في السنوات الأخيرة قد أزيلت بفعل رقابة فرضت بين ليلة وضحاها. آسيا... تحت المجهر لا تزال آسيا تحتفظ بالأغلبية بين أسوأ عشر دول في التصنيف. صحيح أن معظم هذه الدول يعتمد النظام الدكتاتوري، إلا أنه للمرة الأولى احتلت سريلانكا (المرتبة 165) التي انتخبت الحكومة فيها مرتبة متأخرة، ذلك أن الصحافة تواجه أعمال عنف غالباً ما تكون من تنظيم الدولة. وفي المقابل، تثبت الدول المتجذّرة في الديمقراطية شأن نيوزيلندا (المرتبة 7)، وأستراليا (المرتبة 28)، واليابان (المرتبة 29)، حضورها في المراتب الثلاثين الأولى. ومع كندا (المرتبة 13)، تعد نيوزيلندا الدولة الوحيدة غير الأوروبية التي ترد في المراتب العشرين الأولى. بالنسبة إلى العام 2007، شهدت بعض الديمقراطيات الشابة تقدماً مذهلاً. فباتت جزر المالديف (المرتبة 104) تستفيد الآن من صحافة مستقلة مزدهرة. وينطبق الوضع نفسه على بوتان (المرتبة 74) التي أصبحت المؤسسات الإعلامية الخاصة فيها تؤكد فرادتها يوماً بعد يوم. أما أفغانستان (المرتبة 156) فغارقة في أعمال العنف التي يرتكبها الطالبان ورجال زعماء الحرب وممثلو الدولة على حد سواء في حين أن بورما (المرتبة 170) التي تحتل أصلاً مرتبة سيئة في التصنيف قد تراجعت هذا العام أيضاً نظراً إلى استمرار موجة القمع التي شنّتها السلطات بعد اندلاع تظاهرات أيلول/سبتمبر 2007: فتعرّض عشرات الصحافيين للتوقيف والتهديد واتسمت الرقابة العسكرية بالضراوة. وفي جنوب شرق آسيا، سجلت كمبوديا (المرتبة 126) نتائج سيئة إثر وقوع عملية اغتيال لصحافي يزعم أنها تمت بأمر من شرطي، وتعزيز الرقابة على القطاع الإعلامي في خلال الانتخابات التشريعية. كذلك، خسرت فييتنام (المرتبة 168) ست مراتب بعد أن امتد القمع إلى الصحافة الليبرالية المتهمة بالتعمّق في تحقيقاتها حول الفساد. إذا تمت تغييرات سياسية مهمة في كل من باكستان (المرتبة 152) ونيبال (المرتبة 138)، فلم تظهر آثارها على حرية الصحافة بعد. في الدولة الأولى، من المفترض أن يستفيد الإعلام من رحيل الجنرال برفيز مشرف عن رأس السلطة ولكن الحرب مع الطالبان لا تزال تشكل تهديداً أكبر يحدق بالصحافيين. تعود المرتبة السيئة التي احتلتها الولايات المتحدة الأمريكية (المرتبة 119) خارج الأراضي الأمريكية إلى التجاوزات التي يرتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان. فقد أقدم على احتجاز مرشد للتلفزيون الكندي تعسفياً لعدة أشهر من دون رفع أي دعوى ضده. ولا تزال الصين (المرتبة 167) تحتفظ بمرتبتها السيئة بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات الإعلامية للتحرر من أغلال الرقابة ومراقبة الشرطة. فمن شأن العدد المرتفع لعمليات التوقيف وحالات الرقابة والضبط الإعلامي التي تتولاها الشرطة السياسية ومديرية الدعاية أن يحول دون تقدّم هذه القوة الآسيوية الجديدة. الأمريكيتان... تحت المجهر اكتسبت الولايات المتحدة الأمريكية ثماني مراتب وباتت تحتل المرتبة السادسة والأربعين. ولا شك في أن الإفراج عن مصور قناة الجزيرة سامي الحاج بعد ستة أعوام من الاحتجاز في قاعدة غونتانامو العسكرية قد ساهم في هذا التقدّم. إلا أن سرية المصادر لا تزال مهددة بوجود المحاكم الفدرالية وفي غياب القانون الدرع في حين أن حالات الصحافيين الماثلين أمام القضاء أو المجبرين على كشف مصادرهم قد انخفضت في الأشهر الأخيرة ولم يزج بأي منهم في السجن. ولكن الإفلات من العقاب لا يزال سائداً بعد مرور عام على اغتيال رئيس تحرير أسبوعية أوكلاند بوست تشونسي بايلي في كاليفورنيا في 2 آب/أغسطس 2007. ومن شأن تورّط التحقيق في تضارب مصالح محلية وغياب تدخل القضاء الفدرالي أن يفسرا أيضاً عدم احتلال الولايات المتحدة الأمريكية مرتبة أفضل. وقد أخذت عمليات التوقيف المتعددة التي وقع الصحافيون ضحيتها في خلال مؤتمرات الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعين الاعتبار. سجّل أسوأ تراجع في بوليفيا التي خسرت 47 مرتبة (المرتبة 115). ولم تكن الأزمة السياسية والمؤسسية التي تفتك بالبلاد إلا لتكرّس التباعد بين الإعلام الرسمي والخاص، وتعرّض للخطر حياة صحافيين موسومين بعلاقاتهم المزعومة بالحكومة أو المعارضة. وقد شهدت الصحافة الرسمية قتيلاً واحداً. وخلافاً لحكومة هوغو شافيز في فنزويلا (المرتبة 113)، سعت حكومة إيفو موراليس، بعروض الحوار مع المعارضة، إلى الحد من هذه الحرب الإعلامية. مع أن البيرو (المرتبة 108) لا تزال على فوهة الاعتداءات، إلا أن أعمال العنف هذه تبقى أقل مما هي عليه في كولمبيا (المرتبة 126) والمكسيك (المرتبة 140) حيث تهدد الجماعات المسلّحة وتجار المخدرات بقاء الصحافة في بعض المناطق. وفي هاتين الدولتين، انخفض عدد القتلى ولكن بثمن ارتفاع عدد الهجرات. وفي كوبا (المرتبة الأخيرة في القارة 169)، لم تنجح بشائر الانفتاح التي أبدتها حكومة راوول كاسترو في تعديل وضع حقوق الإنسان. ولا يزال 23 صحافياً معارضاً مسجونين كما لا تزال حرية الصحافة في غيبوبة. انضمت جامايكا (المرتبة 21) وترينيداد وتوباغو (المرتبة 27) إلى سورينام (المرتبة 26) الذي برز هذا العام مع غويانا (المرتبة 88) علماً بأن التوترات القائمة بين حكومة الرئيس بهارات جاغديو واحتكار الدولة للراديو تفسر المرتبة المتأخرة التي احتلتها هذه الدولة. وتواصل هايتي صعودها البطيء (المرتبة 73) فيما تكسب الأرجنتين بعض المراتب (المرتبة 68) وتستقر البرازيل (المرتبة 82) في مكانها بسبب بعض أعمال العنف الخطيرة المرتكبة ضد الصحافة فيها. منطقة المغرب / الشرق الأوسط... تحت المجهر ترد ست دول من الشرق الأوسط في أسفل التصنيف العالمي لحرية الصحافة كل عام وقد ضمن أبطال القمع في هذه المنطقة مكانة بلادهم منه في العام 2008. فلا تزال حرية التعبير سراباً في العراق (المرتبة 158)، وسوريا (المرتبة 159)، وليبيا (المرتبة 160)، والمملكة العربية السعودية (المرتبة 161)، والأراضي الفلسطينية (المرتبة 163)، وحتى إيران (المرتبة 166). والصحافيون إما خاضعون لرقابة ضارية، وإما معرّضون لأعمال عنف مروّعة. فلم تشهد الأراضي الفلسطينية قط تراجعاً بهذا القدر في التصنيف. وكانت حصيلة الصراع بين الفصائل الأساسية كارثية على حرية الصحافة وقد ترافق الفصل السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية بتقسيم للمؤسسات الإعلامية. ومن شأن ضلوع الجيش الإسرائيلي في مقتل مصور فلسطيني يعمل في وكالة رويترز في نيسان/أبريل 2008، والإفلات من العقاب الذي استفاد منه الجندي المسؤول عن إطلاق النيران القاتلة أن يبررا تراجع إسرائيل (المرتبة 149، خارج الأراضي الإسرائيلية) في التصنيف. في منطقة المغرب العربي، تواصل المغرب (المرتبة 122) تراجعها الذي بدأته منذ عامين. فقد سجل سجن الصحافي مصطفى حرمة الله منعطفاً ساهم في تدهور العلاقات بين الصحافة والدولة. وكشفت سلسلة من الدعاوى المرفوعة ضد صحافيين ومتصفّحي إنترنت أن حرية الصحافة في المغرب تتوقف عند أبواب القصر الملكي. كسب لبنان 31 مرتبة (المرتبة 66) لعدم سقوط أي ضحية في الاعتداءات التي ضربت البلاد هذا العام. ومع أن الهجوم الذي شنّه حزب الله في أيار/مايو 2008 على بعض المؤسسات الإعلامية المعارضة للنظام السوري لم يسفر عن أي ضحية، إلا أنه أثار موجة من النقمة في المجتمع اللبناني. أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق... تحت المجهر لم تطرأ أي تغييرات على صدارة التصنيف هذا العام: تحتل الدول الأوروبية المراتب العشرين الأولى باستثناء كندا ونيوزيلندا وترد الدول الـ 27 المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي في المراتب الستين الأولى حتى لو كانت بلغاريا التي تعد التلميذة الطالحة في القارة بسبب محاباتها للفساد والعنف السياسي - المافيوي تحتل المرتبة 59 الرديئة. إلا أن الجو العام السيئ وتهديدات المافيات وأعمال العنف المرتكبة في إيطاليا (المرتبة 44) والرعب الذي تفرضه منظمة إيتا الانفصالية في إسبانبا (المرتبة 36) تساهم في احتلال هاتين الدولتين مرتبتين متواضعتين. منذ عامين، تحتفظ فرنسا (المرتبة 35) بالرقم القياسي الأوروبي من حيث عدد تدخلات الشرطة والقضاء بسرية المصادر مع إجراء خمس عمليات تفتيش، وتوجيه اتهامين، وإصدار أربعة استدعاءات لصحافيين. الواقع أن الحراسة النظرية التي فرضتها إدارة مراقبة الأراضي في كانون الأول/ديسمبر 2007 على غيوم داسكييه (geopolitique.com)، وإخضاع مجلة أوتو بلوس للتفتيش واتهام أحد صحافييها، لتثبت جميعها أن حماية سرية المصادر ليست مضمونة في بلاد حقوق الإنسان. يتسم التقدّم في المجال السوفياتي السابق بتدهور خطير للوضع في القوقاز حيث شهدت دولتان من الدول الثلاث التي يتألف منها (أرمينيا، المرتبة 102, جورجيا، المرتبة 120) اضطرابات بالغة استدعت إعلان حالة الطوارئ. وقد أسفر النزاع العنفي بقدر ما هو فجائي في جورجيا عن عدة ضحايا في صفوف الصحافيين. لا تزال آسيا الوسطى وبيلاروسيا (المرتبة 154) في مؤخرة التصنيف مع أوزبكستان (المرتبة 162) وتركمانستان (المرتبة 171) في المراتب العشرين الأخيرة. ولم يشهد الوضع في روسيا (المرتبة 141) حيث يتواصل العنف والتنكيل بالصحافيين أي تقدّم مع تسلّم ديميتري مدفيديف مقاليد السلطة. أفريقيا... تحت المجهر أدرك بعض قادة الدول والحكومات الأفريقية الفائدة التي قد تجنيها بلادهم من حرية الصحافة فيما استمر البعض الآخر في التصرّف كطغاة هذا العام أيضاً. ولا تزال الدول الأفضل تصنيفاً في القارة هي نفسها تقريباً، مع ناميبيا (المرتبة 23)، ومالي (المرتبة 31)، والرأس الأخضر (المرتبة 36)، وجزر موريس (المرتبة 47) التي ترد بين الدول الخمسين الأكثر احتراماً للحرية الإعلامية. وقد استطاعت بعض الدول الديكتاتورية أو المنهكة من سنوات طويلة من الحروب الخروجَ من أعماق أغرقتها أعمال العنف فيها على غرار ليبيريا (المرتبة 51) التي لا تزال تواجه تنكيل رجال الشرطة، أو توغو (المرتبة 53) التي تحافظ على معايير ديمقراطية مقبولة. في ديمقراطيتي بوتسوانا (المرتبة 66) وبنين (المرتبة 70)، يشهد الجو بين الحكومة والصحافة تدهوراً مستمراً يحول دون اكتساب هاتين الدولتين المراتب التي تستحقانها نظراً إلى الوضع السياسي العام السائد فيهما. إلا أن السنغال (المرتبة 86) خسرت مرة جديدة بعض المراتب في التصنيف بسبب تمنّع الحكومة عن إصلاح قانون الصحافة والتصرّف المبالغ فيه أحياناً الذي يعتمده قسم من الصحف في دكار. وقد دخل الصحافيون السنغاليون هذا العام أيضاً السجن. ولكن هذا الخبر السيئ لم يقتصر على السنغال وإنما صدر أيضاً عن موريتانيا (المرتبة 105) حيث لم تكن الإصلاحات التشريعية كافية وكانت الثقافة السياسية متأثرة بممارسات الدولة البوليسية الخاضعة لأمرة الرئيس السابق ولد سيدي أحمد الطايع. بما أن المهم لا يكمن في عيش حياة متنوعة غالباً ما تكون متغطرسة، يجد المرء نفسه مضطراً لتحمّل هذا النوع من الحياة شرط اللجوء إلى القوى الأمنية وقضاء مشرّع على كل التأثيرات. هذا هو الوضع السائد في جمهورية أفريقيا الوسطى (المرتبة 85)، وبوروندي (المرتبة 94)، وغينيا (المرتبة 99) حيث أن أي اضطراب سياسي كفيل بزج الصحافيين في السجن أو على الأقل بإرسالهم إلى مركز الشرطة. أما النقاط السوداء التي تلطّخ صفحة العام 2008 في أفريقيا فتتمثل بكينيا (المرتبة 97) وقد خسرت 19 مرتبة إثر وقوع أعمال عنف بعد الانتخابات، والنيجر (المرتبة 130) وقد خسرت 41 مرتبة بعد سنة مضنية أنهكت صحافيي نيامي وغيرها. يبدو جلياً أن مقاومة الطوراق في الشمال أصبحت من المحرّمات المطلقة بالنسبة إلى الحكومة النيجرية ولا سيما قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في العام 2009. لا تزال الدول الأفريقية التي تحتل أسفل التصنيف هي نفسها، مع غامبيا (المرتبة 137)، وجمهورية كونغو الديمقراطية (المرتبة 148)، وزيمبابوي (المرتبة 151)، حيث الصحافة المستقلة تتطلب شجاعة وصلابة وقدرة كبيرة على احتمال العنف والظلم. وإذا كان وضع الإعلام في غينيا الاستوائية (المرتبة 156) يتلخّص باللافتات الضخمة الهاتفة بحياة الرئيس تيودورو أوبيانغ نغويما والمنتشرة في كويت القارة الأفريقية، فلا تزال إريتريا (المرتبة 173، الأخيرة في التصنيف) الدولة الأكثر عذاباً في أفريقيا هذه السنة أيضاً. فلم يتراجع الرئيس أساياس أفوركي عن قرار العنف المتعمّد ضد عدد كبير من الصحافيين المحتجزين سراً منذ العام 2001 أو عن طغيانه لحكم بلد أخذ يفرغ من شعبه.
ليس الازدهار الاقتصادي ما يضمن حرية الصحافة وإنما السلام. هذه هي الرسالة الأساسية التي سعت مراسلون بلا حدود إلى بلورتها في نسخة العام 2008 من التصنيف العالمي السنوي لحرية الصحافة المرتقب نشرها في 22 تشرين الأول/أكتوبر. أما الرسالة الثانية الواردة في هذه اللائحة التي تستضيف مجدداً الثلاثي الجهنمي تركمانستان (المرتبة 171) وكوريا الشمالية (المرتبة 172) وإريتريا (المرتبة 173)، فتكمن في عدم جدوى التدابير التي يتخذها المجتمع الدولي بحق الأنظمة السلطوية مثل كوبا (المرتبة 169) والصين (المرتبة 167). في هذا الإطار، أعلنت المنظمة: بات عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر واضح المعالم. فالاضطرابات تهز عرش ديمقراطيات كبرى تقف على أهبة الاستعداد للتصدي لأي هجوم وتقضم مساحة الحريات رويداً رويداً، في حين أن أكثر الدكتاتوريات نفوذاً تزداد سلطوية وغطرسة مستفيدة من الانقسامات القائمة في المجتمع الدولي ودمار الحروب المعلنة باسم مكافحة الإرهاب. ولا عجب في أن تفرض المحرّمات الدينية والسياسية نفسها أكثر على مر السنين في دول كانت تشهد، في الأيام الغابرة، تقدّماً ملحوظاً على درب الحرية. وأضافت المنظمة: في هذا السياق، لا بدّ لسياسة كمّ أصوات الحرية المنتهجة في الدول المنغلقة على العالم، بقيادة أسوأ صيّادي حرية الصحافة، من أن تبقى مستمرة في ظل إفلات تام من العقاب طالما أن المنظمات الدولية شأن الأمم المتحدة تفقد كل سيطرتها على أعضائها. إلا أن هذا الانحراف العالمي يعطي الدول الصغيرة الضعيفة اقتصادياً فرصة التميّز بسعيها إلى ضمان حق الشعب بمعارضة الحكومة والإعلان عن رأيه جهاراً بالرغم من كل ما تعانيه. الحرب والسلم يشمل هذا التصنيف الفترة الممتدة من الأول من أيلول/سبتمبر 2007 إلى الأول من أيلول/سبتمبر 2008 ولكنه لا يسلّط الضوء فقط على المرتبة المتفوقة التي تحتلها الدول الأوروبية (تتصدر المراتب العشرين الأولى دول تنتمي إلى المجال الأوروبي باستثناء نيوزيلندا وكندا) بل أيضاً على المرتبة المشرّفة التي احتلتها بعض دول أمريكا الوسطى والكاريبي. ففي المرتبتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، تقترب جامايكا وكوستا ريكا من المجر (المرتبة 23) على بعد بضع مراتب من سورينام (المرتبة 26) وترنيداد وتوباغو (المرتبة 27). الواقع أن هاتين الدولتين الصغيرتين الواقعتين في الكاريبي تحتلان مكانة أفضل من فرنسا (المرتبة 35) التي تراجعت هذا العام أيضاً فاقدة أربع مراتب، أو إسبانيا (المرتبة 36) وإيطاليا (المرتبة 44) الغارقتين في وحول العنف المافيوي أو السياسي. ولم يعد ينقص ناميبيا (المرتبة 23) إلا مرتبة واحدة، هذه الدولة الكبيرة من أفريقيا الجنوبية التي استتب السلام فيها وباتت تتصدر هذا العام الدول الأفريقية أمام غانا (المرتبة 31) لتنضم إلى مجموعة الدول العشرين الأفضل تصنيفاً في العالم. أما القاسم المشترك بين دول الصدارة هذه التي تشهد تباينات اقتصادية عظيمة (إن النسبة بين إجمالي الناتج الداخلي الفردي في أيسلندا وجامايكا هو 1 مقابل 10) فيكمن في خضوعها لنظام ديمقراطي برلماني كما في عدم تورّطها في أي حرب. إلا أن هذا الوضع لا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية (المرتبة 40 على الأراضي الأمريكية، والمرتبة 119 خارج الأراضي الأمريكية)، وإسرائيل (المرتبة 46 على الأراضي الإسرائيلية، والمرتبة 149 خارج الأراضي الإسرائيلية) حيث قتل صحافي فلسطيني بنيران الجيش للمرة الأولى منذ العام 2003. وقد ترك استئناف النزاع المسلّح أثراً بالغاً على دول شأن جورجيا (المرتبة 120) أو النيجر التي تراجعت بشكل ملحوظ (من المرتبة 95 في العام 2007 إلى المرتبة 130 في العام 2008). مع أن هذه الدول تقوم على نظام سياسي ديمقراطي، إلا أنها قد تورّطت في نزاعات منخفضة أو عالية الحدة. وبهذا، عرّضت الصحافيين، هؤلاء الضحايا الذين يسهل تحديدهم، لمخاطر القتال أو القمع. وليس الإفراج المؤقت عن مراسل راديو فرانس أنترناسيونال ومراسلون بلا حدود في نيامي موسى كاكا بعد 384 يوماً من السجن، أو إخلاء سبيل سامي الحاج من جحيم غونتانامو بعد ستة أعوام من الاحتجاز، إلا ليذكرا بأن الحروب تسحق الحياة كما تسحق في معظم الأحيان الحريات. تحت نيران المحاربين أو الدولة الكلية الوجود في غياب الحلول للمشاكل السياسية، تبقى الدول المتورطة في نزاعات عنفية شأن العراق (المرتبة 158)، وباكستان (المرتبة 152)، وأفغانستان (المرتبة 156)، والصومال (المرتبة 153)، مناطق سوداء في عالم الصحافة. فليست عمليات الاغتيال والاختطاف، والاعتقالات التعسفية، والتهديدات بالقتل، إلا الخبز اليومي لصحافيين غالباً ما يتهمون بالموالاة لطرف أو لآخر فضلاً عن تعرّضهم لنيران المحاربين. وكل الأعذار صالحة للتخلّص من هؤلاء المزعجين أو الجواسيس، كما كانت الحال في الأراضي الفلسطينية (المرتبة 163) ولا سيما في غزة حيث شهد الوضع تدهوراً ملحوظاً مع استئثار حركة حماس بالسلطة. وفي الوقت نفسه، تواجه الصحافة عنفاً غالباً ما يكون من تنظيم الدولة في سريلانكا (المرتبة 165) مع أن الحكومة تنتخب فيها. إن الدول التي تحتل المراتب الأخيرة من التصنيف هي دكتاتوريات مقنّعة نوعاً ما يتمكن المعارضون والصحافيون الإصلاحيون فيها من تحطيم الغلال التي يجبرون على تحمّلها. لا شك في أن سنة الصين الأولمبية (المرتبة 167) قد شهدت احتجاز هو جيا وعدة معارضين وصحافيين آخرين كما شكّلت مناسبة لمنح ذرائع إضافية للمؤسسات الإعلامية الليبرالية التي تسعى جاهدة إلى التحرر من سطوة الشرطة المفروضة على مواطني القوة الآسيوية الجديدة. وتبقى مهنة الصحافة في بكين أو شنغهاي أو حتى إيران (المرتبة 166)، وأوزبكستان (المرتبة 162)، وزيمبابوي (المرتبة 151)، ممارسة محفوفة بالمخاطر ومصدراً للمضايقة والتنكيل القضائي المستمر. منذ عدة أعوام، يعتبر الصحافيون والمثقفون، حتى الأجانب منهم، أعداء للمجلس السياسي الحاكم في بورما (المرتبة 170)، هذه الدولة الخاضعة لحكم متعنّت يكره الأجانب. فإذا بهم يدفعون الثمن غالياً. الجحيم الثابت في تونس زين العابدين بن علي (المرتبة 143)، وليبيا معمّر القذافي (المرتبة 160)، وبيلاروسيا ألكسندر لوكاتشتنكو (المرتبة 154)، وسوريا بشار الأسد (المرتبة 159)، وغينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما (المرتبة 156)، يكفي الوجود الكلي لصورة رئيس الدولة في الشوراع والصفحات الأولى للصحف لإقناع الأكثر تشكيكاً بغياب حرية الصحافة. ومع أن غيرها من الدكتاتوريات لا تمارس عبادة الشخصيات، إلا أن المخنق لا يزال نفسه. ففي لاوس (المرتبة 164) والمملكة العربية السعودية (المرتبة 161)، لا شيء ممكناً إن لم يكن يتماشى مع خط السلطات. وتبقى كوريا الشمالية وتركمانستان جحيماً ثابتاً لا يزال الشعب فيه منقطعاً عن العالم وخاضعاً لثقل بروبغاندا تنتمي إلى عصر آخر. أما في إريتريا (المرتبة 173) التي تحتل المرتبة الأخيرة للسنة الثانية على التوالي، فيستمر الرئيس إساياس أفوركي ومجموعة الوطنيين المصابين بالذهان الهذياني في إدارة أكثر دول أفريقيا شباباً كمعتقل ضخم مشرّع الأبواب والنوافذ. ولا يزال المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ماضياً في التكرار، على سبيل التنافس، أن الحل الوحيد يكمن في الحوار. ولكنه يبدو جلياً أنه لم يلقَ آذاناً صاغية طالما أنه بمقدور أكثر الحكومات سلطوية أن تتجاهل الاتهامات المضادة من دون أن تخاطر بأي شيء سوى استياء بلا عواقب يظهره بعض الديبلوماسيين. مخاطر الفساد والأحقاد السياسية إن المرض الآخر الذي يجتاح الديمقراطيات ويمنيها بخسارة المراتب في هذا التصنيف هو الفساد. ومن شأن المثل السيئ لدولة بلغاريا (المرتبة 59) التي تحتل المرتبة الأخيرة في أوروبا أن تذكر بأن الاقتراع العام والتعددية الإعلامية وبعض الضمانات التشريعية ليست بمعايير كافية للتحدث عن حرية الصحافة بشكل صالح. فينبغي أن يكون الجو مؤاتياً لتداول المعلومات والتعبير عن الآراء. وليس التوتر الاجتماعي والسياسي السائد في البيرو (المرتبة 108) أو كينيا (المرتبة 97)، وتسييس الإعلام في مدغشقر (المرتبة 94) أو بوليفيا (المرتبة 115)، وحتى أعمال العنف التي يقع ضحيتها صحافيو التحقيقات في البرازيل (المرتبة 82)، سوى صور تمثيلية لهذا السم الذي يفتك بالديمقراطيات الناشئة. والواقع أن الذين يخالفون القانون ليجنوا الثروات ويعاقبون الصحافيين الفضوليين في ظل إفلات تام من العقاب يساهمون في انتشار آفة تبقي دولاً كبيرة في مراتب مشينة (نيجيريا، المرتبة 131؛ المكسيك، المرتبة 140؛ الهند، المرتبة 118). إن بعض هذه الدول الكبيرة المزعومة يتصرّف عمداً بطريقة عنيفة، وجائرة، وبكل بساطة مقلقة. وعلى غرار فنزويلا (المرتبة 113) حيث شخصية الرئيس هوغو شافيز وقوانينه تبدو مرهقة أحياناً، تقتضي روسيا الثنائي بوتين - مدفيديف (المرتبة 141) مراقبة الإعلام الرسمي والمعارض بصرامة. وكما آنا بوليتكوفسكايا، يسقط عدة صحافيين سنوياً برصاص مجهولين غالباً ما يكونون مقرّبين من الأجهزة الأمنية الموجهة من الكرملين. تمنّع المحرّمات في القلب اللدن للتصنيف، تبرز دول تتراوح بين القمع والليبرالية، ولا تزال المحرّمات محرمات فيها والقوانين المنظمة للقطاع الإعلامي من عصر آخر. وعلى سبيل المثال، يشكل ذكر شخص الرئيس أو الملك، ومحيطه، وأعمالهم الدنيئة محظورات مطلقة في الغابون (المرتبة 110)، والكاميرون (المرتبة 129)، والمغرب (المرتبة 122)، وعمان (المرتبة 123)، وكمبوديا (المرتبة 126)، والأردن (المرتبة 128)، وماليزيا (المرتبة 132). وفي السياق نفسه، تتولى التشريعات القامعة للحريات في السنغال (المرتبة 86) والجزائر (المرتبة 121) زج الصحافيين في السجن باستمرار منتهكة بذلك المعايير الديمقراطية التي تكرّسها الأمم المتحدة. إن القمع الممارس على شبكة الإنترنت ليكشف أيضاً النقاب عن هذه المحرّمات المتعنّتة. ففي مصر (المرتبة 156) على سبيل المثال، تسببت تظاهرات أطلقت على الإنترنت بتأجيج العاصمة وإقلاق الحكومة التي باتت تعتبر كل متصفّح خطراً كامناً يهدد الأمة. وإذا بالترشيح يزداد سنة تلو الأخرى فيما لا تتورّع الدول القمعية عن سجن المدوّنين. وإذا كانت الصين تحتفظ بالصدارة بين جحور الشبكة السوداء بلجوئها إلى تقنيات متطورة لمراقبة المتصفّحين، فسوريا باتت بطلة إقليمية في القمع الإلكتروني. وأصبحت المراقبة متشددة لدرجة أنه بمجرّد إصدار أي انتقاد، تغدو عملية الاعتقال مسألة وقت ليس إلا. وحدها بعض الدول شهدت تقدماً في مجال حرية التعبير. فإذا بلبنان (المرتبة 66) يستعيد موقعه الطبيعي بعد انتهاء موجة الاعتداءات التي استهدفت صحافيين نافذين في السنوات الأخيرة فيما تواصل هايتي (المرتبة 73) تقدّمها البطيء تماماً كالأرجنتين (المرتبة 68) وجزر المالديف (المرتبة 104). بيد أن التحوّل الديمقراطي في موريتانيا (المرتبة 105) قد تعطّل مانعاً الدول عن متابعة تقدّمها في حين أن المكتسبات الضعيفة لكل من تشاد (المرتبة 133) والسودان (المرتبة 135) في السنوات الأخيرة قد أزيلت بفعل رقابة فرضت بين ليلة وضحاها. آسيا... تحت المجهر لا تزال آسيا تحتفظ بالأغلبية بين أسوأ عشر دول في التصنيف. صحيح أن معظم هذه الدول يعتمد النظام الدكتاتوري، إلا أنه للمرة الأولى احتلت سريلانكا (المرتبة 165) التي انتخبت الحكومة فيها مرتبة متأخرة، ذلك أن الصحافة تواجه أعمال عنف غالباً ما تكون من تنظيم الدولة. وفي المقابل، تثبت الدول المتجذّرة في الديمقراطية شأن نيوزيلندا (المرتبة 7)، وأستراليا (المرتبة 28)، واليابان (المرتبة 29)، حضورها في المراتب الثلاثين الأولى. ومع كندا (المرتبة 13)، تعد نيوزيلندا الدولة الوحيدة غير الأوروبية التي ترد في المراتب العشرين الأولى. بالنسبة إلى العام 2007، شهدت بعض الديمقراطيات الشابة تقدماً مذهلاً. فباتت جزر المالديف (المرتبة 104) تستفيد الآن من صحافة مستقلة مزدهرة. وينطبق الوضع نفسه على بوتان (المرتبة 74) التي أصبحت المؤسسات الإعلامية الخاصة فيها تؤكد فرادتها يوماً بعد يوم. أما أفغانستان (المرتبة 156) فغارقة في أعمال العنف التي يرتكبها الطالبان ورجال زعماء الحرب وممثلو الدولة على حد سواء في حين أن بورما (المرتبة 170) التي تحتل أصلاً مرتبة سيئة في التصنيف قد تراجعت هذا العام أيضاً نظراً إلى استمرار موجة القمع التي شنّتها السلطات بعد اندلاع تظاهرات أيلول/سبتمبر 2007: فتعرّض عشرات الصحافيين للتوقيف والتهديد واتسمت الرقابة العسكرية بالضراوة. وفي جنوب شرق آسيا، سجلت كمبوديا (المرتبة 126) نتائج سيئة إثر وقوع عملية اغتيال لصحافي يزعم أنها تمت بأمر من شرطي، وتعزيز الرقابة على القطاع الإعلامي في خلال الانتخابات التشريعية. كذلك، خسرت فييتنام (المرتبة 168) ست مراتب بعد أن امتد القمع إلى الصحافة الليبرالية المتهمة بالتعمّق في تحقيقاتها حول الفساد. إذا تمت تغييرات سياسية مهمة في كل من باكستان (المرتبة 152) ونيبال (المرتبة 138)، فلم تظهر آثارها على حرية الصحافة بعد. في الدولة الأولى، من المفترض أن يستفيد الإعلام من رحيل الجنرال برفيز مشرف عن رأس السلطة ولكن الحرب مع الطالبان لا تزال تشكل تهديداً أكبر يحدق بالصحافيين. تعود المرتبة السيئة التي احتلتها الولايات المتحدة الأمريكية (المرتبة 119) خارج الأراضي الأمريكية إلى التجاوزات التي يرتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان. فقد أقدم على احتجاز مرشد للتلفزيون الكندي تعسفياً لعدة أشهر من دون رفع أي دعوى ضده. ولا تزال الصين (المرتبة 167) تحتفظ بمرتبتها السيئة بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات الإعلامية للتحرر من أغلال الرقابة ومراقبة الشرطة. فمن شأن العدد المرتفع لعمليات التوقيف وحالات الرقابة والضبط الإعلامي التي تتولاها الشرطة السياسية ومديرية الدعاية أن يحول دون تقدّم هذه القوة الآسيوية الجديدة. الأمريكيتان... تحت المجهر اكتسبت الولايات المتحدة الأمريكية ثماني مراتب وباتت تحتل المرتبة السادسة والأربعين. ولا شك في أن الإفراج عن مصور قناة الجزيرة سامي الحاج بعد ستة أعوام من الاحتجاز في قاعدة غونتانامو العسكرية قد ساهم في هذا التقدّم. إلا أن سرية المصادر لا تزال مهددة بوجود المحاكم الفدرالية وفي غياب القانون الدرع في حين أن حالات الصحافيين الماثلين أمام القضاء أو المجبرين على كشف مصادرهم قد انخفضت في الأشهر الأخيرة ولم يزج بأي منهم في السجن. ولكن الإفلات من العقاب لا يزال سائداً بعد مرور عام على اغتيال رئيس تحرير أسبوعية أوكلاند بوست تشونسي بايلي في كاليفورنيا في 2 آب/أغسطس 2007. ومن شأن تورّط التحقيق في تضارب مصالح محلية وغياب تدخل القضاء الفدرالي أن يفسرا أيضاً عدم احتلال الولايات المتحدة الأمريكية مرتبة أفضل. وقد أخذت عمليات التوقيف المتعددة التي وقع الصحافيون ضحيتها في خلال مؤتمرات الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعين الاعتبار. سجّل أسوأ تراجع في بوليفيا التي خسرت 47 مرتبة (المرتبة 115). ولم تكن الأزمة السياسية والمؤسسية التي تفتك بالبلاد إلا لتكرّس التباعد بين الإعلام الرسمي والخاص، وتعرّض للخطر حياة صحافيين موسومين بعلاقاتهم المزعومة بالحكومة أو المعارضة. وقد شهدت الصحافة الرسمية قتيلاً واحداً. وخلافاً لحكومة هوغو شافيز في فنزويلا (المرتبة 113)، سعت حكومة إيفو موراليس، بعروض الحوار مع المعارضة، إلى الحد من هذه الحرب الإعلامية. مع أن البيرو (المرتبة 108) لا تزال على فوهة الاعتداءات، إلا أن أعمال العنف هذه تبقى أقل مما هي عليه في كولمبيا (المرتبة 126) والمكسيك (المرتبة 140) حيث تهدد الجماعات المسلّحة وتجار المخدرات بقاء الصحافة في بعض المناطق. وفي هاتين الدولتين، انخفض عدد القتلى ولكن بثمن ارتفاع عدد الهجرات. وفي كوبا (المرتبة الأخيرة في القارة 169)، لم تنجح بشائر الانفتاح التي أبدتها حكومة راوول كاسترو في تعديل وضع حقوق الإنسان. ولا يزال 23 صحافياً معارضاً مسجونين كما لا تزال حرية الصحافة في غيبوبة. انضمت جامايكا (المرتبة 21) وترينيداد وتوباغو (المرتبة 27) إلى سورينام (المرتبة 26) الذي برز هذا العام مع غويانا (المرتبة 88) علماً بأن التوترات القائمة بين حكومة الرئيس بهارات جاغديو واحتكار الدولة للراديو تفسر المرتبة المتأخرة التي احتلتها هذه الدولة. وتواصل هايتي صعودها البطيء (المرتبة 73) فيما تكسب الأرجنتين بعض المراتب (المرتبة 68) وتستقر البرازيل (المرتبة 82) في مكانها بسبب بعض أعمال العنف الخطيرة المرتكبة ضد الصحافة فيها. منطقة المغرب / الشرق الأوسط... تحت المجهر ترد ست دول من الشرق الأوسط في أسفل التصنيف العالمي لحرية الصحافة كل عام وقد ضمن أبطال القمع في هذه المنطقة مكانة بلادهم منه في العام 2008. فلا تزال حرية التعبير سراباً في العراق (المرتبة 158)، وسوريا (المرتبة 159)، وليبيا (المرتبة 160)، والمملكة العربية السعودية (المرتبة 161)، والأراضي الفلسطينية (المرتبة 163)، وحتى إيران (المرتبة 166). والصحافيون إما خاضعون لرقابة ضارية، وإما معرّضون لأعمال عنف مروّعة. فلم تشهد الأراضي الفلسطينية قط تراجعاً بهذا القدر في التصنيف. وكانت حصيلة الصراع بين الفصائل الأساسية كارثية على حرية الصحافة وقد ترافق الفصل السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية بتقسيم للمؤسسات الإعلامية. ومن شأن ضلوع الجيش الإسرائيلي في مقتل مصور فلسطيني يعمل في وكالة رويترز في نيسان/أبريل 2008، والإفلات من العقاب الذي استفاد منه الجندي المسؤول عن إطلاق النيران القاتلة أن يبررا تراجع إسرائيل (المرتبة 149، خارج الأراضي الإسرائيلية) في التصنيف. في منطقة المغرب العربي، تواصل المغرب (المرتبة 122) تراجعها الذي بدأته منذ عامين. فقد سجل سجن الصحافي مصطفى حرمة الله منعطفاً ساهم في تدهور العلاقات بين الصحافة والدولة. وكشفت سلسلة من الدعاوى المرفوعة ضد صحافيين ومتصفّحي إنترنت أن حرية الصحافة في المغرب تتوقف عند أبواب القصر الملكي. كسب لبنان 31 مرتبة (المرتبة 66) لعدم سقوط أي ضحية في الاعتداءات التي ضربت البلاد هذا العام. ومع أن الهجوم الذي شنّه حزب الله في أيار/مايو 2008 على بعض المؤسسات الإعلامية المعارضة للنظام السوري لم يسفر عن أي ضحية، إلا أنه أثار موجة من النقمة في المجتمع اللبناني. أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق... تحت المجهر لم تطرأ أي تغييرات على صدارة التصنيف هذا العام: تحتل الدول الأوروبية المراتب العشرين الأولى باستثناء كندا ونيوزيلندا وترد الدول الـ 27 المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي في المراتب الستين الأولى حتى لو كانت بلغاريا التي تعد التلميذة الطالحة في القارة بسبب محاباتها للفساد والعنف السياسي - المافيوي تحتل المرتبة 59 الرديئة. إلا أن الجو العام السيئ وتهديدات المافيات وأعمال العنف المرتكبة في إيطاليا (المرتبة 44) والرعب الذي تفرضه منظمة إيتا الانفصالية في إسبانبا (المرتبة 36) تساهم في احتلال هاتين الدولتين مرتبتين متواضعتين. منذ عامين، تحتفظ فرنسا (المرتبة 35) بالرقم القياسي الأوروبي من حيث عدد تدخلات الشرطة والقضاء بسرية المصادر مع إجراء خمس عمليات تفتيش، وتوجيه اتهامين، وإصدار أربعة استدعاءات لصحافيين. الواقع أن الحراسة النظرية التي فرضتها إدارة مراقبة الأراضي في كانون الأول/ديسمبر 2007 على غيوم داسكييه (geopolitique.com)، وإخضاع مجلة أوتو بلوس للتفتيش واتهام أحد صحافييها، لتثبت جميعها أن حماية سرية المصادر ليست مضمونة في بلاد حقوق الإنسان. يتسم التقدّم في المجال السوفياتي السابق بتدهور خطير للوضع في القوقاز حيث شهدت دولتان من الدول الثلاث التي يتألف منها (أرمينيا، المرتبة 102, جورجيا، المرتبة 120) اضطرابات بالغة استدعت إعلان حالة الطوارئ. وقد أسفر النزاع العنفي بقدر ما هو فجائي في جورجيا عن عدة ضحايا في صفوف الصحافيين. لا تزال آسيا الوسطى وبيلاروسيا (المرتبة 154) في مؤخرة التصنيف مع أوزبكستان (المرتبة 162) وتركمانستان (المرتبة 171) في المراتب العشرين الأخيرة. ولم يشهد الوضع في روسيا (المرتبة 141) حيث يتواصل العنف والتنكيل بالصحافيين أي تقدّم مع تسلّم ديميتري مدفيديف مقاليد السلطة. أفريقيا... تحت المجهر أدرك بعض قادة الدول والحكومات الأفريقية الفائدة التي قد تجنيها بلادهم من حرية الصحافة فيما استمر البعض الآخر في التصرّف كطغاة هذا العام أيضاً. ولا تزال الدول الأفضل تصنيفاً في القارة هي نفسها تقريباً، مع ناميبيا (المرتبة 23)، ومالي (المرتبة 31)، والرأس الأخضر (المرتبة 36)، وجزر موريس (المرتبة 47) التي ترد بين الدول الخمسين الأكثر احتراماً للحرية الإعلامية. وقد استطاعت بعض الدول الديكتاتورية أو المنهكة من سنوات طويلة من الحروب الخروجَ من أعماق أغرقتها أعمال العنف فيها على غرار ليبيريا (المرتبة 51) التي لا تزال تواجه تنكيل رجال الشرطة، أو توغو (المرتبة 53) التي تحافظ على معايير ديمقراطية مقبولة. في ديمقراطيتي بوتسوانا (المرتبة 66) وبنين (المرتبة 70)، يشهد الجو بين الحكومة والصحافة تدهوراً مستمراً يحول دون اكتساب هاتين الدولتين المراتب التي تستحقانها نظراً إلى الوضع السياسي العام السائد فيهما. إلا أن السنغال (المرتبة 86) خسرت مرة جديدة بعض المراتب في التصنيف بسبب تمنّع الحكومة عن إصلاح قانون الصحافة والتصرّف المبالغ فيه أحياناً الذي يعتمده قسم من الصحف في دكار. وقد دخل الصحافيون السنغاليون هذا العام أيضاً السجن. ولكن هذا الخبر السيئ لم يقتصر على السنغال وإنما صدر أيضاً عن موريتانيا (المرتبة 105) حيث لم تكن الإصلاحات التشريعية كافية وكانت الثقافة السياسية متأثرة بممارسات الدولة البوليسية الخاضعة لأمرة الرئيس السابق ولد سيدي أحمد الطايع. بما أن المهم لا يكمن في عيش حياة متنوعة غالباً ما تكون متغطرسة، يجد المرء نفسه مضطراً لتحمّل هذا النوع من الحياة شرط اللجوء إلى القوى الأمنية وقضاء مشرّع على كل التأثيرات. هذا هو الوضع السائد في جمهورية أفريقيا الوسطى (المرتبة 85)، وبوروندي (المرتبة 94)، وغينيا (المرتبة 99) حيث أن أي اضطراب سياسي كفيل بزج الصحافيين في السجن أو على الأقل بإرسالهم إلى مركز الشرطة. أما النقاط السوداء التي تلطّخ صفحة العام 2008 في أفريقيا فتتمثل بكينيا (المرتبة 97) وقد خسرت 19 مرتبة إثر وقوع أعمال عنف بعد الانتخابات، والنيجر (المرتبة 130) وقد خسرت 41 مرتبة بعد سنة مضنية أنهكت صحافيي نيامي وغيرها. يبدو جلياً أن مقاومة الطوراق في الشمال أصبحت من المحرّمات المطلقة بالنسبة إلى الحكومة النيجرية ولا سيما قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في العام 2009. لا تزال الدول الأفريقية التي تحتل أسفل التصنيف هي نفسها، مع غامبيا (المرتبة 137)، وجمهورية كونغو الديمقراطية (المرتبة 148)، وزيمبابوي (المرتبة 151)، حيث الصحافة المستقلة تتطلب شجاعة وصلابة وقدرة كبيرة على احتمال العنف والظلم. وإذا كان وضع الإعلام في غينيا الاستوائية (المرتبة 156) يتلخّص باللافتات الضخمة الهاتفة بحياة الرئيس تيودورو أوبيانغ نغويما والمنتشرة في كويت القارة الأفريقية، فلا تزال إريتريا (المرتبة 173، الأخيرة في التصنيف) الدولة الأكثر عذاباً في أفريقيا هذه السنة أيضاً. فلم يتراجع الرئيس أساياس أفوركي عن قرار العنف المتعمّد ضد عدد كبير من الصحافيين المحتجزين سراً منذ العام 2001 أو عن طغيانه لحكم بلد أخذ يفرغ من شعبه.
Publié le
Updated on
18.12.2017