حرية التعبير في مصر أصبحت رهينة في يد السلطة العسكرية
في الوقت الذي مدّدت فيه السلطات المصرية مؤخراً فترة حالة الطوارئ إلى شهرين إضافيين، ستُعّزز فيها السلطات وتتقلص فيها الحريات الأساسية، يستمر التضييق أكثر على حرية الصحافة وتتواصل الاعتقالات في صفوف مهنيي الإعلام.
تقول منظمة مراسلون بلا حدود في بيان لها: إننا قلقون جداً من تفاقم الانتهاكات التي تستهدف الحريات الأساسية، خصوصاً منها حرية التعبير، ومن تعدد التصريحات الصادرة عن السلطات المصرية التي تُظهر من خلالها بوضوح موقفاً معادياً لبعض وسائل الإعلام التي لا تتماشى مع توجهات الجيش.
وتضيف في نفس البيان: إنه من غير المقبول ومن الخطير على مستقبل الديمقراطية في مصر أن تواصل السلطات استهداف بعض وسائل الإعلام والإعلاميين المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين أو المقربين منها، تحت ذريعة الحفاظ على النظام العام والأمن القومي. كما أن النظام القضائي يؤيد باستمرار القرارات السياسية التعسفية للسلطات في إغلاق بعض وسائل الإعلام، وهو ما يطرح بالضرورة تساؤلات بشأن استقلالية القضاء في مصر اليوم، بينما المفروض أن الفصل بين السلطات هو عماد كل نظام سياسي يطمح إلى أن يكون ديمقراطياً.
تعدد إغلاق وسائل الإعلام المنتمية إلى الإخوان المسلمين أو المقربة منهم
في مساء يوم الثلاثاء 24 سبتمبر/أيلول 2013، اقتحمت قوات الشرطة مقر صحيفة الحرية والعدالة المنتمية إلى حزب الإخوان المسلمين، حيث صادرت المعدات الموجودة في المكتب وأغلقت مقر الصحيفة. وقد جاءت هذه المداهمة بعد قرار من القضاء المصري بتاريخ 23 سبتمبر بحظر حركة الإخوان المسلمين ومصادرة أملاكهم، وهو ما يُعتبر قراراً سياسياً.
ويوم 3 سبتمبر/أيلول، أصدر مجلس الدولة قراراً بإغلاق قنوات الجزيرة مباشر مصر و أحرار 25 و القدس و اليرموك، والتي اتُهِمت بتشكيل خطر على الأمن الاجتماعي ونشر إشاعات ومعلومات كاذبة والتحريض على الكراهية وزعزعة الاستقرار العام.
وكلها تبقى مرة أخرى قرارات سياسية، جاءت لتعزيز قرارات تعسفية اتُخِذت سابقاً في حق وسائل إعلام محلية وأجنبية تنتمي إلى الإخوان المسلمين أو مقربة منهم. ففي يوم 3 يوليو/تموز، قررت السلطات الجديدة في البلاد إغلاق أربع قنوات محلية، هي: مصر 25 التابعة لحزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمين)، الحافظ، الناس، و الرحمة، والمعروفة كلها بمساندة الرئيس مرسي. وكرد على هذا القرار، ظهرت قناة مصرية جديدة تُدعى أحرار 25 أواسط شهر يوليو/تموز لتعويض القناة المحظورة مصر 25.
بعد ذلك بيومين، حجبت مؤسسة نايل سات، المكلفة بتشغيل الأقمار الاصطناعية المصرية للاتصالات، ثلاث قنوات تلفزية عربية، وهي القناتان الفلسطينيتان المنتميتان إلى حركة حماس القدس و الأقصى، إلى جانب قناة حركة الإخوان المسلمين في الأردن، اليرموك.
من جهة أخرى، وبتاريخ 28 أغسطس/آب 2013، أعلن وزراء الاستثمار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام أن قناة الجزيرة مباشر مصر تعمل بطريقة غير شرعية في مصر وبأنها أصبحت محظورة من العمل في البلاد.
وفي إطار تدهور العلاقات بين تركيا ومصر، استهدفت السلطات المصرية كذلك عدداً من وسائل الإعلام التركية.
ففي يوم 10 سبتمبر/أيلول 2013، داهمت الشرطة مكتب هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT في القاهرة، حيث صادرت معدات الإنتاج والتسجيل، إلى جانب أجهزة الحاسوب الخاصة بطاقم القناة. وتحت ضغط السلطات، قررت إدارة القناة إغلاق المكتب مؤقتاً.
وقد اعتُقِل متين توران، أحد صحفيي القناة، يوم 16 أغسطس/آب، ما جعل نائب الرئيس التركي بولنت أرنج ووزير الشؤون الخارجية أحمد داود أوغلو يتصلان بالسلطات المصرية للإفراج عن الصحفي. غير أن اعتقاله الذي كان مبدئياً لمدة 15 يوماً تم تمديده عدة مرات. ويوم 20 أغسطس/آب 2013، داهمت قوات الشرطة المصرية مكتب وكالة الأخبار إخلاص التركية، حيث اعتقلت مدير المكتب طاهر عصمان حمدي في نفس اليوم وأبقت عليه محتجزاً بطريقة تعسفية إلى غاية 4 سبتمبر/أيلول 2013.
أما قناة الفراعين التي تساند علناً الجيش، فقد تعرضت للإغلاق هي الأخرى بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول بتهمة المس بأخلاقيات المهنة.
مواصلة الاعتقالات
مازال أكثر من عشرة صحفيين رهن الاحتجاز في السجون المصرية، دون مثلوهم أمام القضاء المصري، حيث يتم تمديد فترة احتجازهم بانتظام لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق (وهي الفترة القانونية للاعتقال الإداري).
ورغم أن غالبية الصحفيين المحتجزين اليوم كانوا يعملون لدى وسائل إعلام مقربة من الإخوان المسلمين أو تنتمي إليهم (ومنها: إسلام توداي، رصد، إضافة إلى الجزيرة مباشر مصر)، فإن جميع مهنيي الإعلام يعانون من السياسة القمعية التي تنهجها السلطات المصرية.
وهكذا، تعرّض أحمد أبو دراع، مراسل يومية المصري اليوم، والذي كتب عدة مقالات عن تحركات الجيش في سيناء، للاعتقال على يد السلطات في مدينة العريش (شمالي سيناء) بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2013. ومازال هذا الصحفي رهن الاحتجاز في انتظار مثوله أمام محكمة عسكرية. وقد أُجّلت محاكمته، التي حُددت يوم 15 سبتمبر/أيلول، مرتين إلى 18 ثم 29 من نفس الشهر.
ويوم 22 سبتمبر/أيلول 2013، اعتُقلت المراسلة عزة مغازي والمصور الصحفي صبري خالد، اللذان يعملان لدى يومية الشروق، في فندقهما بالعريش على يد قوات الشرطة، والتي كانت تعتقد بأنهما ينتميان إلى شبكة الجزيرة. وقد تعرض المصور للضرب عدة مرات أثناء نقلهما إلى إدارة الأمن في محافظة سيناء، قبل أن يتم الإفراج عنهما معاً ساعتين لاحقاً بعد أن تأكد للشرطة الخطأ الذي وقعت فيه وتبادر إلى تقديم اعتذارها. وفي حوار مع يومية الأهرام، صرّح صبري خالد بأن العمل كمراسل مع الجزيرة أو أي مؤسسة إعلامية أخرى ليس مبرراً لمعاملة الصحفيين بتلك الطريقة.
ولا شك أن هذا الاعتقال يكشف بجلاء أجواء القمع السائدة التي يشتغل فيها الصحفيون في مصر.