منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بين السيطرة المفرطة على الحقل الإعلامي والانزلاق نحو هاوية الشعبوية القومية
من بين استنتاجات تصنيف 2020 أن حرية الصحافة معرضة للخطر في آسيا وأوقيانوسيا، بغض النظر عن البلد الذي نتواجد فيه. ولا أدل على ذلك من الوضع الذي باتت فيه أستراليا (26)، وهي التي كان يُضرب بها المثل كنموذج إيجابي في هذه المنطقة. فقد تراجعت خمسة مراكز دفعة واحدة، علمًا بأن هذا السجل السلبي مردُّه إلى إقدام الشرطة الفيدرالية على اقتحام منزل صحفي ومداهمة مقر هيئة الإذاعة الأسترالية العامة، وذلك في خطوة شكلت خرقًا صارخًا لسرية المصادر وتقويضًا خطيرًا للصحافة الاستقصائية. وعلاوة على ذلك، اعتُبر هذا الحدث فرصة لكي يدرك الأستراليون أن دستور بلادهم لا يشمل أي نص يكفل حرية الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات.
وما يزيد من المخاوف أكثر فأكثر أن آسيا هي القارة التي تنضوي تحت لوائها أسوأ دولة في العالم في هذا المجال: فبعدما أوهم نظام بيونغ-يانغ العالم بما يشبه الانفتاح على الصحفيين الأجانب على هامش مؤتمري يونيو/حزيران 2018 وفبراير/شباط 2019، حيث التقى "القائد الأعلى" كيم جونغ أون بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عادت كوريا الشمالية (180؛ -1،) لتتذيل جدول الترتيب في نسخة 2020.
وفي خضم السباق على نيل لقب النظام الأكثر قمعًا في العالم، لا تزال الصين (177) من بين الدول الرائدة في هذا الصدد، وهي التي تواصل تطوير نموذجها القائم على السيطرة المفرطة على تدفق المعلومات وقمع الأصوات المعارضة، كما يتضح من اعتقال مواطنَين صينيَين في فبراير/شباط لمجرد أنهما قررا تغطية أزمة فيروس كورونا. هذا وتبقى الصين، أولًا وقبل كل شيء، أكبر سجن للصحفيين على الصعيد العالمي، حيث يقبع في معتقلاتها ما لا يقل عن مئة فاعل إعلامي، علمًا بأن الغالبية العظمى منهم ينتمون إلى أقلية الأويغور.
النماذج المضادة وما تنطوي عليه من تحديات جيوسياسية
إذا كانت فيتنام (175) قد كسبت مرتبة واحدة في تصنيف 2020، فهذا راجع ببساطة لكون وتيرة القمع في البلاد بلغت مستويات قياسية خلال عام 2018، الذي كان له تأثير "ميكانيكي" على ترتيب هذا العام. وفي المقابل، فقدت لاوس (172) مرتبة واحدة مرة أخرى، وذلك بسبب ما اقترفه النظام من قمع ضد ظاهرة المدونات التي طفت على السطح بشكل خجول.
هذا وقد شهد عام 2020 انضمام سنغافورة إلى "المنطقة السوداء" في التصنيف العالمي، لتلحق بركب هذه البلدان الأربعة التي تئن تحت حكم أنظمة شيوعية قائمة على منطق الحزب الوحيد. فقد تراجعت هذه الدويلة الصغيرة سبع مراتب دفعة واحدة (158)، وذلك بسبب اعتمادها قانون "الأخبار الزائفة" الذي ينطوي على أحكام تعسفية بامتياز.
وبدورها، عززت سلطنة بروناي (152) ترسانة السيطرة على المعلومات، من خلال تبني قانون جنائي جديد ينص على عقوبة الإعدام في حال نشر أي مقال أو الإدلاء بأي تعليق قد يُعتبر ضربًا من ضروب التجديف أو ينطوي على دعوة إلى الردة. وفي إطار الجهود الرامية إلى تعزيز آلة قمع الأصوات المعارضة، حدت حدوها كل من كمبوديا (144؛ -1)، تحت حكم رئيس الوزراء هون سين، وتايلاند (140؛ -4)، تحت قبضة الجنرال برايوت.
من جهتها، تبذل باكستان (145) قصارى جهدها لإسكات الأصوات الناقدة على الإنترنت، بعدما أخضعت جميع وسائل الإعلام التقليدية تقريبًا. ونتيجة لذلك، تراجعت البلاد ثلاثة مراكز. وبالمثل، فقدت نيبال ست مراتب (112) جراء محاولاتها الرامية إلى فرض قوانين سالبة للحرية.
بين مطرقة التطرف السياسي وسندان التعصب الديني
بالإضافة إلى ما تطرحه هذه النماذج المضادة لحرية الصحافة من تحديات جيوسياسية، تطفو على السطح نزعة شعبوية قومية لا تبدي أي تسامح أو تساهل مع الصحافة الناقدة، التي تعتبر أن عملها ينم عن سلوك مناهض للحكومة، وبالتالي، فهو معادٍ للأسس القومية.
وأمام هذا الواقع، يجد الصحفيون أنفسهم عُرضة للعنف بشتى الأشكال والأنواع، سواء على أيدي عناصر الشرطة، كما هو الحال في سريلانكا (127؛ -1) أو أثناء المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ (80)، التي سجلت أحد أكبر التراجعات في آسيا، بعدما فقدت سبع مراتب على جدول هذا العام.
كما تأتي الهجمات على أيدي نشطاء سياسيين موالين للحكومة، كما هو الحال في بنغلاديش (151؛ -1) والفلبين (136؛ -2) والهند (142؛ -2)، علمًا بأن هذه الأخيرة فرضت أكبر "حظر تجوال إلكتروني" في التاريخ من خلال قطع كل سبل الاتصالات على أهالي وادي كشمير البالغ عددهم ثمانية ملايين.
كما ترمز حالة الهند إلى ما تبديه بعض الدوائر الدينية المتطرفة من تعصب مفرط تجاه الصحفيين الذين لا يتبعون الخط الرسمي، كما هو حال اليمين القومي الهندوسي أو حركة طالبان في أفغانستان (122؛ -1) أو بعض الأصوليين البوذيين في بورما (139؛ 1) علمًا بأن جميع هذه الأيديولوجيات الدينية تسعى دائمًا إلى فرض رؤيتها للعالم على وسائل الإعلام.
جيوش المتصيدين الإلكترونيين
تجد هذه الكراهية الأيديولوجية ضد الصحافة المستقلة أرضًا خصبة على شبكة الإنترنت، التي تمثل ساحة معركة مثالية لحرب المعلومات. فالهجمات الجسدية التي تطال الصحفيين عادة ما تصاحبها -أو تسبقها- تهديدات على الإنترنت تشنها جيوش من المتصيدين الإلكترونيين الذين يستعينون بمزارع النقر الاحتيالي. وفي آسيا، يشكل هؤلاء الجنود الرقميون رأس الحربة في الجيوش التي تعول عليها هذه الأيديولوجيات القومية الشعبوية الشرسة، والتي تتغذى بشكل كبير على التضليل الإعلامي وإذكاء نار الكراهية عبر شبكة الإنترنت.
وفي هذا السياق المعقد للغاية، تلعب الصحافة دورًا بالغ الأهمية في إنجاح الممارسة الديمقراطية، كما هو الحال في إندونيسيا (119، +5)، حيث الرئيس جوكوي يملك كل الأوراق بين يديه لوضع حرية الصحافة في جوهر ولايته الثانية.
كما يؤكد سجل كل من ماليزيا (101؛ +22) وجزر المالديف (79؛ +19) الدور الحاسم تمامًا الذي يمكن أن يلعبه التغيير السياسي في الطريق إلى تحسين بيئة عمل الصحفيين ومكافحة ظاهرة الرقابة الذاتية.
وعلاوة على ذلك، تمكنت الصحافة أيضًا من فرض نفسها كفاعل رئيسي في بعض الديمقراطيات الناشئة مثل بوتان (67؛ +13) أو تيمور الشرقية (78؛ +6) أو ساموا (21؛ +1). وحتى في البلدان حيث الحكومات أقل تسامحًا تجاه وسائل الإعلام الناقدة، مثل جزر فيجي (52) أو منغوليا (73؛ -3)، فإن الصحفيين يتمكنون من الصمود والمقاومة، مستغلين بعض الضمانات القانونية.
بين التمركز والاستقطاب
في الديمقراطيات الراسخة، لا تتوانى الحكومات عن اتخاذ الأمن القومي ذريعة لعرقلة الممارسة الحرة للصحافة. ويُلاحظ ذلك بانتظام في كوريا الجنوبية (42؛ -1)، حيث ينص القانون على عقوبات شديدة القسوة لنشر معلومات حساسة، وخاصة إذا كانت تتعلق بكوريا الشمالية.
هذا وتظل عواقب التمركز المتزايد لوسائل الإعلام من بين التهديدات الرئيسية لحرية الصحافة في ديمقراطيات آسيا وأوقيانوسيا، كما هو الحال في اليابان (66؛ +1)، حيث لا تزال وسائل الإعلام تابعة بنسبة كبيرة لما يُدعى تكتلات "كيرتسو" الضخمة التي تقوم فقط على منطق المصالح الاقتصادية.
وإذا كان هذه المنطق التجاري يشكل عائقًا أمام استقلالية وسائل الإعلام، فإنه يساهم أيضًا في تأجيج الاستقطاب بشكل مفرط بقدر ما يُذكي بيئة قائمة على الإثارة والتهييج، كما هو الحال في تونغا (50؛ -5) أو بابوا غينيا الجديدة (46؛ -8) أو تايوان (43؛ -1). وحتى نيوزيلندا (9)، التي كان يُضرب بها المثل على المستوى الإقليمي، فقد تراجعت مرتبتين على جدول تصنيف 2020، وذلك بسبب استمرار التمركز المهول في المشهد الإعلامي.
فبغض النظر عن البلد أو المنطقة أو القارة، يبدو أن ممارسة الحق في حرية الصحافة تظل كفاحًا أبديًا.